كنت أجلس هذه المرة في غرفتي وحيد.. ليلا أو صباحا عادتا لا أستطيع توصيف هذا التوقيت بدقة ! ذلك الوقت عقب صلاة الفجر مباشرة ..لا أعرف ..معظم الناس يقولون إنه الصباح ولكن كيف ؟ فالشمس لم تشرق بعد ! لا عليكم لا أحب عادة المقدمات الطويلة ...ما أذكره جيدا إنني يومها كنت أريد رؤية شروق الشمس بالطبع في منطقة سكنية كالتي أعيش بها لا يمكن رؤية قرص الشمس من الأساس ! ولكني فقط أتحدث عن الأحساس ..الأحساس بذلك الضوء الخافت الذي يتزايد رويدا رويدا ليبدد جزيئات الظلام ! ولم يكن كل هذا بجديد ..لا جلوسي في غرفتي وحيد ولا حتي تتطلعي لرؤية الشروق ّ!..ولكن الجديد حقا تلك الفراشة ...فراشة صغيرة وجدتها تقف علي مكتبي .تعجبت من أين جاءت ؟.. فكرت قليلا لا يحتاج الأمر للفراسة لا بد أن قد دخلت خلسة من الشرفة المفتوحة والمطلة أيضا علي حديقة جدتي في ذيل المنزل .. حدقت بها ...أندهشت لم تكن فراشة من الأساس ! ..كانت فتاة صغيرة ... فتاة ! كيف ؟ وبهذا الحجم ؟ ..تطلعت إليها أكثر ..إنها ابنتي ! ...ابنتي ..متي وأين وكيف ؟ ... وهل تزوجت ؟ ...تزوجت ..؟ ..تزوجت من من ؟ ! اللعنة ! لقد تزوجت بالفعل منذ سنوات ! نعم ..تزوجت من تلك الفتاة .. تلك الفتاة التي ظننتها كأمي ! امراءة ملتزمة أتجاه أولادها ! ولكنها هاهي تثبت العكس تماما ..هاهي تترك ابنتنا الوحيدة هكذا علي المكتب ! دون أدني رعاية ! قالها لي صديقا من قبل " كلهن سواء يا عزيزي ..هذا الجيل الأسوء علي الأطلاق .. أمهاتنا أصبحن كالحلم لا توجد مثيلات لهن " ولكني تجاهلت كل هذا ..فلتذهب زوجتي التي لم أراها إلي الجحيم ! فعليا لم أرد أن يشغلني شيء عن ابنتي الأن ! وكأنن أراها لأول مرة .. أو هوا كذلك بالفعل ..حقا لا أعلم ! انطلقت ألعابها " حج حجيج بيت الله والكعبة ورسول الله جيت أزورك يا نبي يالي بلادك بعيدة فيها أحمد وحميدة حميدة خلف ولد سميته عبد الصامد ......" تسابقنا سويا في حجرتي كانت تطير فتسبقني لا أعرف كيف ؟! أكثر ما كان يضايقني منها أنها صغيرة أصغر مما ينبغي ! طلبت مني هامسة أن أحكي لها قصة ! .. صراحة لم أكن يوم أجيد الألقاء .. كما كنت أمقت تلك القصص العقيمة المكررة ( الشاطر حسن ..علي باب ..أبو رجل مسلوخة ..وأمنا الغولة ) حكايات مملة إلي أبعد الحدود ... قررت أن أقص عليها قصة مختلفة .."حكاية بلد " هكذا أردت أن اسميها .. بلد أحبها كثير بحق ليس فقط لأنها بلدي أو وطني ودون الدخول في مقدمات طويلة عن القوميات .. ولكن لأنها أيضا بلد مختلفة تماما .. كلم الله عز وجل إحدي أنبياءه تكليما من بقعة كريمة علي أرضها .. كانت مخزن للعالم وملجاءه في مجاعةكبري في أول الزمان ... تاريخها عجيب قد تحتاج دراسته فقط لعمر كامل . "ابنتي العزيزة أظنك تعرفيها أنتي أيضا جيد علي صغر سنك .. وأظنك ستعرفي أهلها أيضا خلال سنوات ولكن حقا .. أنا لا أعرفهم أو لم أعد أعرفهم ربما لأن كل شيء تغير . أصبح أهلها مسخ من مجتمعات متعددة ..بين تيارات فكرية مارقة ..و أناس يعيشون بلا أدني متطلبات الحياة .لا أريد أن أرسم صورة قاتمة أمام عينيك الصغرتين فقط أريدك أن تعرفي حتي لا تصطدمي بالواقع يوما ... ولكني دعيني أخبرك الصورة ليست حالكة السواد ..هناك ينابيع أمل هنا وهناك ..أضواء خافته تتسرب محاولة تفتيت جزيئات الظلام .. جمعيات أهلية .. شباب مؤمن بالتغيير..إيجابيات تحدث متوارية خجلا !
كنت أحدثها بذلك ورأيت عينيها خاملة يبدو انها قد نامت . لازال نفس الهاجس يؤرقني إنها صغيرة .أصغر مما يجب أن تكون ! أأمها مستهترة لهذه الدرجة .. ! اللعنة علي تلك المراءة التي لا أذكر حتي شكلها ! . لا أعرف كيف وجدت هذا الجسم الأسطواني بجانبها ..لا بد أنه الطعام الخاص بها .. ممم يسميه البعض " البزازة " علي ما اعتقد .. ولكني أتعجب حقا ! لم أتعامل من قبل مع "بزازة" بالرش ... أعتقد أنه نوع جديد لا بد إنني الأن إن قمت برش هذا علي طفلتي ستكبر .. يبدو إنني جلست في حجرتي كثير حتي أتزوج وأرزق بطفلة .. لا يهم ..أخذت الجسم الأسطواني ورششت منه كثير عليها .. وجدتها تترنح ثم تقع .. تأملت المشهد جيدا ..نظرت إليها .. لم تكن فتاة ..ولم تكن ابنتي ..كانت مجرد فراشة دخلت من شرفتي المفتوحة .. وقد قتلتها توا بغبائي بذلك المبيد ... وعدت وحيد مرة أخري دون زوجتي التي لم أراها ولا ابنتي التي لم تكن !! .
Amr Mostafa
6\9\2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق