الاثنين، 13 سبتمبر 2010

عندما يتحطم العلم ...قصة طويلة ...

 قبل البداية :-
قديما قالو إن -العلم نور- وكنا ولا زالنا نؤمن بذلك ونصدقه .. وربما في عصرنا هذا ومع التقدم الهائل في كافة المجالات ..وسيطرة العلم المادي علي كل شيء ..أصبحت هذه المقولة مستهلكة ..مكررة ولا مجال لذكرها من الأساس .
البعض أصبح يؤمن بالعلم ..العلم وفقط .. أصبح الكثيرون علي أختلاف أديانهم يؤمنو بالعلم علي حساب كل شيء ..أصبحت المادية جزء لا يتجزأ من حياتنا وأصبح الحديث عن الروحنيات والمعجزات ..العبادات ..الفروض .. الحلال ..الحرام .. المكروه والمستحب حديث مستهلك أو كلام يتمسك به أصحاب العقول الضعيفة –علي حد تعبيرهم- أو بمعني أخر الدول النامية المتخلفة ..أصبح كثير من البشر يعبدون المادة ..يقدسونها . –إلا من رحم ربي- ونسو أو تناسو كل شيء تناسو معصية أبليس وخطيئة أدم –عليه السلام- وخروجه من الجنة ..تناسو كل ذلك بل أنكروه أحيانا ..وأصبحت الحياة ..صدفة .. نتيجة انفجار نجم أو انهيار مجرات .. استعمر العلم العقول واستعبدها احيانا ولكن ما تناساه هؤلاء أن العلم يتحطم اليوم وكل يوم أمام ظواهر عجيبة يعجز عن تقسيرها ..فنحن إن كنا اليوم نعيش عصر العلم ..فأعتقادي أن العصور القادمة عصور (عندما يتحطم العلم ) ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مدينة نيويورك .. الولايات المتحدة ..

- أراك شارد الذهن يا محمد ؟!

- لا عليك أنني فقط أفكر في أحوالنا !
- لا ترهق ذهنك هذا حال العرب هنا منذ ذلك الحادث الأحمق
- لا أظن ذلك أعتقد أن هؤلاء القوم يتمتعون بأذلالنا .
- لماذا ؟ أنت في أكثر دول العالم تقدما ورقي .. ماذا ينقصهم أذن ؟!
- ينقصهم الكثير ..
-محمد . دعك من هذا أري ذلك الوغد الأمريكي يقترب هناك يبدو أنه يشرف بنفسه علي عمل الطباخين !
- الوغد .. أنه صاحب المطعم .. لا أعرف يا رجل لماذا يكرهنا ؟!
- هه ألا تعرف بالفعل ؟ أنه أمريكي يهودي من طائفة راديكالية متشددة .
- إذن ..هكذا تجري الأمور !
- نعم يا محمد ,, ركز الان في العمل أراه يقترب !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل للعلم أن يعطي كل شيء ؟ سأل نفسه هذا السؤال مرارا دون أجابة شافية ..لعل البعض يتحمس قائلا .. "يا أخي نعم وبلا شك؟" أو يتشدد " ماذا تقول يا أبله ؟ هذا هو ما جعلنا نتأخر عن الأمم ودفع بنا في الظلمات "
..المهم في النهاية لن تجد من يوافقك الرايء علي ان كل شيء في هذا الكون لا يمكن تفسيره علميا بالرغم من وجود ظواهر عجيبة وباعترافهم لا يستطيعون تفسيرها ! لا تشغل عقلك بتلك الأمور خاصة وانت تعيش في أكثر دول العالم تقدما حيث يسير كل شيء بريموت كنترول
- محمد ..آأنت نائم ؟!
- لست نائما يا خالد ماذا هناك
- فقط تأخرنا علي العمل
- إلي متي يا خالد ؟!
- إلي متي ماذا ؟
- إلي متي سنظل نعمل لدي ذلك الأحمق اليهودي بذلك الأجر الزهيد , إلي متي سنظل ندهس كرمتنا كل يوم من أجل لقمة عيش خبيثة نأكلها بخوف إلي متي ..
- كف عن ذلك ,, أخبرني أذن ماذا كان علينا أن نفعل ؟ هه ..ننتظر في مصر بلا وظيفة .. أتذكر ما حدث معنا هه ..أضنط تذكره جيدا.. لقد عملنا كل شيء وأي شيءو بالرغم من تخرجنا في كلية التجارة ..عملنا من سماسرة إلي بائعي جرائد وحين قررنا أن نبني مشروعنا الخاص ..أتذكره مشروع –الكشك المكتبة – حلم حياتك يا محمد .. كشك صغير بلا سجائر أو دخان وكتيبات صغيرة بمبلغ زهيد للشراء أو الأطلاع السريع ... ماذا حدث وقتها قررت حكومتنا الموقرة فجأة بناء كوبري في تلك المنطقة .. وجرت الامور كما تجري دائما تعويض مادي ألف جنيه لا تغطي حتي نصف ثمن البضاعة .. وقرار أزالة وهدم أجباري .. وجلست انا علي بجانب والدي وأنت بجانب زوجتك مريم في البيت !
- أذكر ذلك وأعرفه علي ظهر قلب ..بمناسبة ذكر الأهل .. لقد اشتقت كثيرا لمريم ويوسف ..كم كنت تحسدني علي تبكيري بالزواج وانا الأن لا أكاد أراهم .. يااااه كم غريبة هذه الدنيا حقا ..اتذكر (ماري) تلك الفتاة الشقراء التي ساعدتنا علي العمل لد (ديفيد)
- مممم نعم أذكرها ..أليست هي من ساعدتنا كثيرا في أيجاد سكن مناسب ..إنها حقا فتاة طيبة !
- بل أنت الساذج يا خالد .. لقد جائت البارحة وانت بالخارج
- وماذا كانت تريد ؟!
- تريد الثمن ؟
- أي ثمن ؟
- قالت إنها لطالما أعجبها رجال الشرق
- يا الله : وماذا فعلت ؟
- طردتها ولكن بشيء من الذوق والأدب ..
- نعم ما فعلت هيا أذن لنذهب للعمل ولنكمل الحديث عن ذلك الأمر في الطريق !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاودته افكاره مرة أخري .. عندما تعيش في مجتمع كالمجتمع الأمريكي تدرك شيئا واحدا إنك مادة خام يحدد سعرها بالدولار ..قد تكون غالية وقد تكون رخيصة ولكنك في النهاية مجرد مادة خام .. كل شيء هنا بمقابل فعندما تقدم علي الأنتحار قد يمنعك كثيرون أن كنت غالي الثمن وقد يعطيك البعض مسدس إن كنت بلا ثمن ! المهم أنك ستعيش هكذا وتموت هكذا لذا خدها نصيحة ولا تأتي إلي تلك البلاد من البداي ..قد تقول إنها بلاد الحرية والمساواة العدالة الأجتماعية وتوافق الفرص .. أقول لك لا تصدق كل ما تسمعه أو تراهفالكذب والنفاق استعمرو الأرض منذ الخليقة .. هؤلاء القوم تقدمو ليس لأنهم مواد خام بلا روح أو أحرار بلا أي قيود أو أخلاقيات ..ل لأنهم أرادو أن يكونو الأفضل فكان ذلك ..أقتصاديات الدول وأموالها لا تتحسن طبقا لأنسانية أصحابها ولا تتقدم بالأخلقيات والمثل بل بقدرتهم علي العمل والكسب وأحترام قواعد عامة يتفقو عليها منذ البداية ..
علي أية حال ,لازلت أظن أن بلادنا أفضل بكثير و بالرغم من كل شيء هناك من أخطاء .تخبط .. تشتت ..وأفكار مبعثرة .. فنحن منذ الأستعمار ثم الأنفتاح علي الثقافات الأخري ونحن تائهون لا نعرف من أين نبدأ أو متي سننتهي ؟ ولكن هناك دفء في بلدنا يشعرك أنك لا تزال أنسان !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان واقفا يعد فطائر البتزا ويلقي النكات علي الزبائن هنا وهناك .. ولكن عقله كان لا يزال منشغل بأمر أخر تماما ...كان يفكر بها (ماري ) .أين هي الأن ؟ ..لم يراها منذ ذلك اليوم .. لما لم يستخدم عقله هذه المرة ..لم يكن ليرتكب الفاحشة بالطبع فماذا لو عرض عليها الزواج ؟ وماذا لو وافقت , ستتغير حياته بالفعل ..ربما حصل علي الجنسية وتحسنت أحواله المادية واستقر في هذه البلاد .. عند هذا الحد من التفكير تذكر زوجته (مريم) ..ياالله هل الحياة في هذا البلد القبيح أنسته زوجته إلي هذا الحد .. وفيما يفكر الأن في الزواج بأخري ..وأي أخري ؟ ! فتاة أمريكية لاهية لا تتمتع بأي قيم أو مباديء ولا حتي بنصف جمال زوجته الحقيقي ! أين مبادئه .أين أخلاقه ؟ .. لا..لا ..لسوف يطرد هذا الهاجس الشيطاني من عقله !
- محمد مكالمة لك من(نيوأورليانز )
- من ؟
- فتاة تدعي ماري
فجأة أنتبه أنه لا يزال واقفا يعد قطع البيتزا ويلقيها للزبائن بصورة آلية !
- ألم تقل ماذا تريد
- لا , هيا لتعود بسرعة للعمل
التقط سماعة الهاتف وسمع صوتها تتكلم بسرعة علي غير العادة ..لايزال يعاني من مشكلة مع الأنجليزية خاصة مع من يتكلمها بهذه السرعة .ولكنه فهم ما تقول :- محمد لا أعرف لماذا أتصل بك ؟ اتعرف لم يرفضني أحد من قبل ..تعجبت لموقفك حتي ظننتك غير مهتم بالنساء ! .. ولكن عندما اخبرتني أن تعاليمكم الدينية ترفض ذلك ..تعجبت أكثر ..أتعرف انا فتاة متدينة .. حتي في الكنيسة لم يذكرو أن ذلك مخالف لتعاليم الرب , محمد أريد أن أراك ... ثم أنقطع الأتصال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما استيقظ هذا الصباح,شعر أن هناك شيء مختلف ..أين خالد لقد غادر فراشه مبكرا علي غير العادة ؟ وهو منذ معرفته بخالد لم يفعل ذلك إلا في يومين بعينهما ..يوم زلزال 1992 الذي عصف بمصر وراح ضحيته كثيرون ..ويوم حادث قطار الصعيد الشهير والذي مات فيه إحدي أقاربه . إذن ما المصيبة التي ستحدث اليوم ؟ وجد نفسه يهمس " اللهم أجعله خير"
عندما خرج للصالة وجد (خالد) جالسا أمام التلفاز يتابع نشرة
بأنتباه شديد ! CNN
- خالد ماذا هناك ؟
-هه .أسمعت عن أعلان خبراء الأرصاد عن احتمالية وقوع أعصار قوي في نيوأورليانز
-بلي ,منذ أيام
- أذن فلتعلم أن الندينة قد اختفت يا محمد .أختفت تماما ..تعالي لتري بنفسك
وقف مذهول يتابع مراسل القناة وهو يصف المشهد من طائرته الهليكوبتر ولا يظهر من المدينة سوي اسطحي البيوت.
- يالله ألم يكن يعلمو أن هذا سيحدث لما لم يحركو ساكنا
- ليس هذا ما يقلقني الأن ..ما يقلقني حقا من سيتحمل المسئولية هذه المرة ربما يأتي أحدهم ليقبض علينا الأن
- ماذا تقول يا رجل ؟ هه ..أنه قضاء الله وقدره ما علاقتنا نحن بالأمر ؟!
- أتعرف ربما دعونا عليهم في صلاتنا فاستجاب الله لدعائنا ولكن لم نكن أبدا ندعو علي هؤلاء السود المساكين ! أتذكر ما حدث لنا بعد الحادي عشر من سبتمبر !
- أذكره جيدا وقتها كنا نصلي الظهر قبض علينا ..أستجواب لأكثر من ثلاثة أيام..أسبوع في سجن مليء بالشواذ وال.. بالرغم من إني لم أكن أعرف أصلا
بوجود دولة تدعي أفغانستان يحكمها رجل ينعت نفسه بأمير المؤمنين ! يالله ...
أذكر أيضا زكريا الصواف الشاب السوري جارنا في السكن القديم ... عندما وجدنا جثته مفصولة الرأس امام منزله بعد الحادث اللعين بعدة أشهر وعلي ذراعه علامة لا أنساها
Fuck Muslims!
والشعار المطبوع علي ظهر الدولار !
- أهلا بك في العالم الحر ! أتعرف ربما اتهمونا هذه المرة
بأننا كنا جيران
لزكريا الصواف ! بالرغم من خروج قضيته كما يريدون !
- أو كما قلت أنت ربما أتهمونا بأستخدام حق الدعاء بصورة غير شرعية تعلم جيدا إننا في دولة القانون ..أتعرف لقد سئمت كل شيء هنا اشتقت كثيرا لمريم ولولدي يوسف !
- بقولك فالنكتب لهم ..
- وربما اتهمونا بالعمل لدي جهاز مخابرات معادي .وأخذ يضحكان !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن يعرف بما يشعر بالحزن أم بالفرح.. بالشماتة أم بالأسف ربما من أهله الأن في مصر من يأسف لكل من يموتون في مختلف الدول ..ومنهم من لا يشعر بأي شيء فقط يحاول ان يعيش يومه ويفكر في تحصيل قوت اليوم التالي ليقي نفسه من الموت جوعا ..ولكن هنا في أمريكا الوضع مختلف ..سارع الكثير بأتهام السلطة بالتقصير والأهمال .. وربما السلطات بالفعل مقصرة ولكن هكذا هؤلاؤ القوم لا يؤمنون بالقدر فقط يؤمنون بالقوة ..القوة التي تعمي أصحابها كثيرا عن رؤية الحقائق ..أنهم لا يدركون أن جميع مقاتلات أمريكا لا تستطيع أنقاذ شخص جاءت ساعة أجله ! وكما أخبره (جاك ) من قبل "نحن فقط نؤمن بما تري عيوننا حتي لو أدعي أي منا التدين " !!
كان واقفا يعد فطائر البيتزا ومازال عقله مشغول بتلك الحادثة ..عندما سمع بعض الهمس من حوله "يااه فتاة مسكينة حقا " " كم هذا مأسويا " "يالأسف " انتبه أنهم يتكلمون عن شخص بعينه لمح (جاك بالقرب منه ) فتسائل :-
- جاك ! ماذا هناك
تنهد قائلا – ألم تعرف ما حدث بعد يا محمد ؟! صديقتنا ؟(ماري) كانت في نيوأورليانز عند وقوع أعصار كاترين !
- يالله وكيف هي الان ؟
- لقد رحلت يا محمد رحلت لأبد !
تبادلو عبارات التعزية المعتادة ثم استكمل عمله بشيء من الوجوم .. تذكر الأن فقط أن ماري كلمته أخر مرة من هناك نعم ربما كان أخر من سمع صوتها ! يتذكر أخر عبارة بينهما"محمد أريد أن أراك "وكن ليس كل ما يريده المرء يدركه ..الأن قد رحلت ماري وعلي الرغم من وقاحتها أحيانا ولكنها دائما كانت تذكره بزوجته مريم ..لايعرف لماذا ربما لأنها المرأة الوحيدة التي تعرفعلها هنا أو ربما أنها الحقته بعمله هذا أو ربما لأنه كلما فكر في الزواج بها وبخ نفسه وتذكر زوجته ! لا يعرف الأن بماذا يشعر فمازالت مشاعره مضطربة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
وجدها أمامه..فجأة دون مقدمات .. لا يعرف أين كان أو إلي أين كان يتجه ؟ ..المهم أنها أمامه الأن

- لقد نجوت إذن يا ماري
 
- ألم أقل لك أريد أن أراك ! لم أكن لأموت دون أن أراك يا محمد !

تنهد قليلا .. – اذن ماذا تريدين ؟

- اتعرف منذ أن رفضتني وأنا أتعجب لقدكنت واثقة من أعجابك بي ..لا أعرف ..أنا أعرفك منذ أتيت إلي هنا وبالتحديد عندماأنقذت حقيبتي من السرقة في مطار كاليفورنيا .أتعرف لقد فكرت أن أعرض عليك الزواجولكني أعلم انك متزوج ولكن ما المانع ؟ أنتم يا عرب تستطيعون الزواج بأربع !

- أذا فكرت بالزواج بأخري ولن يحدث ..لنتكوني أنتي يا ماري !

- أتري هناك قوة بداخلك تتكلم ! قوةأستشعرها جديا ! أريد أن أعرف سر ذلك .أريد أن ألمس تلك القوة ..أعرف أكتر عندينكم ..أخلاقكم ..مبادئكم ..و ..

انتفض جسده فجأة عندما أحس بيد تهزه برفق..

- أستيقظ يا رجل ! لتشرب كوب من الشاي معي

فرك عينيه قائلا :-

- خالد ؟! ..أنمت كثير أ ؟

- بل أكثر من اللازم .أسافرنا لتلك البلاد لتنام وأسهر أنا علي راحتك ! هيا لنشرب شاي مصري أصيل هه..أتذكر ؟

- نعم ( قهوة الفراعنة ) ... أيام لاتنسي يا خالد !

- بل أيام ذهبت وذهب معها كل شيء ..هياأذن نحتسي الشاي سريعا لننزل للبحث عن عمل أضافي !

- وما الفائدة لن نجد .!

- بل يجب أن نجد يا محمد هل تظن إن المائة دولار التي تريلها لأهلك كل شهر تكفيهم ..لا يا رجل الحياة في مصر أختلفتألا تتابع الأخبار ... مصر لم تعد تلك التي تركناها عام 95

- إذن كف عن الثرثرة وهيا بنا  !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبدأت رحلة البحث عن عمل أضافي ..ومع ثقته التامةأنه لن يجد ذلك العمل , فلا يزال يسير في شوارع المدينة ومعه خالد بحثا عن ذلكالعمل ..ولا يزال عقله منشغل بأمور عديدة , لقد رحلت (ماري) الأن ورحل معها أخرأمل للحياة هنا في أمريكا , لقد ساعدتهم كثير ..نعم .. فهي التي الحقتهم بعملهالحالي في محل البيزا الشهير لقد كان مالك سلسلة المطاعم هذه صديقا لأباها ..يالله لطالما كفت تلك الفتاة عنهم شر دافيد ذلك الوغد اليهودي مدير الفرع الذي يعمل به !وهاهي الأن قد رحلت ولا شك أن الألعيب دافيد ستفلح معهم في أقرب فرصة ! وماذا الأن؟ أيعود لمصر مع تلك الحفنة القليلة من الدولارات التي نجح في جمعها ويحاول هناك من جديد ؟ أم يحاول هنا مرة أخري ؟ هل يوافقه خالد الرأي إذا قرر العودة لمصر ؟أنه لا يعرف الأن ماذا يريد أو ماذا سيفعل ؟

أحضر البريد اليوم .. وجد جوابا من مريم...كان قد راسلها منذ فترة يسألها أخر الأخبار في مصر .. كان الجواب كلماته مقتضبة.. أخبرته فيه إنها بخير ويوسف أيضا علي مايرام . وفي النهاية أخرته بضرورة حضورخالد للقاهرة لأن والديه قد توفيا أثر مرض قد لازمهما منذ سفره الثاني ..ولم تشأأن تخبرهما من قبل . بالله .. كيف سيخبر خالد الأن .,هكذا ومنذ قدومها لتاك البلادوالمصائب تطاردهم .

أحس باختناق فنزل يتنزه قليلا في الطرقات, عندما جاءنا إلي تلك البلاد كنا نهرب من الفقر في بلادنا ..من الجوع ..من العطش والحاجة .. أتينا هنا لنبدأ من جديد بعيد عن كل شيء ولكن لم نكن ننوي قط أن ننتهي هنا ! لقد أخطاءنا وبلا شك ..الناس هنا مختلفة ..هناك شيء يفقدونه ... الحياة أشبه بالموت .. الكل يعاملك علي قدر ما يأخذ منك .

لقد ترك مريم ويوسف في مصر ليوفر لهم حياة جديدة لكن لا.. ماذا لو فقدهم كما فقد خالد والديه ؟! سيعود إلي القاهرة في أقرب وفرصة فقط سينتظر حتي يوفر ثمن تذكرة الطيران حتي لا يعبث في تلك الدولارات التي نجح في جمعها .. لن يقدم المزيد من التنازلات ..لقد تحمل هنا لكثير من السجن بلا ذنب إلي السخرية .إلي الأضطهاد أحيانا !
لقد أتخذ قراره ولا بد من مفاتحة خالد في الأمر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- خالد أريد أن أخبرك شيئا

- ماذا هناك ؟

والديك يا خالد لقد .. لقد ..

- لقد ماتوا .. أهذا ماتريد أن تقول.أعلم منذ فترة !

- لقد كنت تعلم إذا البقاء لله يا خالد .

حاول تعزيته بالكلمات المعتادة..كان ينظر في عينيه مباشرة كانتا باردتين كثلج لا يعرف لما لم يخبره من قبل لما لميطلب منه النزول لمصر لحضور مراسل الدفن والعزاء .. لما لم يشاركه أحزانه كعادته.. ما الأمر ؟ .. أكثر من عشرين عاما أصدقاء لم يفارقو بعض قط حتي في أحزانهم ! لايعرف ماذا حدث هذه المرة ولكن ثمة أمر لا يفهمه .
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقد تغير خالد هكذا تشير كل المؤشراتخروجه المتكرر متأخر لمكان أجهله وبالأمس عندما فاتحته في رغبتي لنزول مصر الأسبوع المقبل علي الأكثر أستقبل الأمر باستخفاف لم أشأ أن أخبره برغبتي للعودة النهائيةهناك .. فقط أخبرته بإني سأذهب لأطمئن علي عائلتي الصغيرة العجيب انه لم يطلب مني حتي أن أزور قبر والديه !

هكذا كان يفكر عندما قطع حبل أفكاره رنين جرس الباب ..عندما فتح وجد خالد ومعه إمرأة في العقد الرابع من العمر .

-هاي: محمد .سوري لقد نسيت المفاتيح .

- لا مشكلة ولكن من .. ؟

- لا تقلق سأخبرك بكل شيء بعد أن تعد ليكوب من الشاي أنا والسيدة كاترين

تعجب من طريقة كلامه المقتضبة والتي اختلطت فيها العربية بالأنجليزية علي غير العادة ..وعندما ذهبو للمطبخ حدثه ثانية.

- من تلك المرأة التي تجلس بالخارج

- إنها كاترين , صديقتي كاترين

-صديقتك ؟
- نعم هي كذلك ومنذ فترة وربما زوجتي قريبا ..اتعرف يا محمد النساء في هذه البلاد عندما يصلن إلي ذلك العمر يصبحن كمانقول نحن في مصر(بيت وقف) فالرجل الأمريكي الذي في نفس السن تقريبا إما أن يكون قدتزوج أو حتي عندما ينوي أقامة علاقة لا يفكر في نساء في مثل ذلك السن في الأغلب  يفكر بالأصغر  خاصة وإن كان قد أمرأة مثل كاترين فقدت الكثير من رونقها ..
 
- ماذا تريد أن تقول يا خالد أقصد فيقولك ..

- لم أكمل حديثي بعد ، المهم .. هذهفرصتنا نحن إذن وفرصة معظم الأجانب هنا .

- ماذا تعني ؟

- أعني أن الزواج من مثل هذه يضمن لكالكثير .. مم أنت أيضا ياخالد ابحث عن امرأة مثلها ..تزوجها ..والشرع معك فمن حقك الزواج بأربع وهنا في أمريكا لا يهمهم الأمر خاصة مع وجود الزواج المدني لن تضطر لأن تقول أن لك زوجة من الأساس حتي هي لو علمت ما المشكلة النساء هنا يختلفن  كثير عن النساء عندنا في مصر ..

لم يعرف لما لم يرد عليه ؟ . ربما لأنه عجز عن الكلام ..أو لأنه لا يعرف بما يرد .. أو لأن كاترين هذه جاءت متسكعة وهيتقول

- ما الأمر ألأ تعرفان كيفية أعداد الشاي..؟
ثم اقتربت لأكثر ولم يعرف ماذا حدث بعد ذلك كل ما يعرفه أن المطبخ لم يكن ضيقا لهذه الدرجة ولكن
خالد وكاترين  كان يريا غير ذلك ..لم يعد يحتمل وغادر مسرعا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمات دائما تنبأ بالنتائج ..وبالطبع لم يتغير خالد فجأة كانت هناك مقدمات تعمد محمد تجاهلها ..طريقة كلامه ..أستقباله لخبر وفاة والديه .. خروجه المتكرر لساعات متأخرة ... ربما وفاة والديه هو السبب الحقيقي لتغيره هكذا .. ربما  فكر "ما الذي بقي لي في مصر " "ما الذي أخذناه من الشرق غير الجوع والموت والإهانة " ...كان يفكر بذلك وهو يسير في طرقات المدينة هائما علي وجهه بلا هدف محدد .. كان كمن يحدث نفسه :- يالله .. ماذا حدث لنا ؟ ماذا حدث لخالد ؟ رباه هل نسي كل شيء أم أصبح شخص أخر ..خالد صديقه الذي لم يفارقه قط ..منذ الصف الأعدادي .. كان يستطيع أن يعرف مابه فقط من نظرة عينيه .. وماذا عن حنان هل نسيها أيضا ..حنان تلك الفتاة المهذبة التي انتظرته كثير حتي خطبها  قبيل سفرهم بشهور .. هل نسي كل شيء ؟ .. حاول أن يقارن بين (حنان ) و (كاثرين ) لا مجال للمقارنة .. (كاترين) سيدة لاهية كل أمالها في الحياة البحث عن رجل بعدما تجاوزت الأربعين ونجحت بعض التجاعيد في العبث بوجهها ..أما حنان تلك الفتاة الطيبة لطالما اعتبرها اخته الصغيرة هكذا كانت عائلته لم يكن لديه أخوة .. كان يعتبر خالد وحنان أخوته ..وماذا الأن ضاع كل شيء ..ضاع خالد الذي يعرفه هنا في أمريكا ..وستضيع حنان عندما يخبرها بالأمر في مصر
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------.. 
عندما عاد للمنزل لم يجد خالد .. يبدو أنهما غادرا .. كانت الرائحة مقيتة رائحة سجائر كاثرين ممزوجة بعطرها القبيح ! رباه ! كيف يتحمل خالد هذا ؟ لاحظ وجود ورقة مطوية علي الطاولة فتحها ..كانت من خالد :-

"محمد : سأغيب عدة أيام بعدها سأعود لأخذ باقي ملابسي ,أعيش الأن مع كاثرين , العنوان عندك بظهر الورقة , أعرف يا محمد أنك تتسأل ماذا أفعل ولكن ثق إنني الأن فقط  أعرف ماذا أفعل جيدا ! لن أجلس مثلك وأفكر في نظريات حول الروح والجسد .. العالم المادي والعالم الروحاني ..الشرق والغرب ..العلم والإيمان .. لن أجلس لأفكر في كلام مكرر مللناه وألقي بينا في ظلمات الجهل ..سأخترق هذا العالم الذي تخشاه .. لن أعمل وأكد لأكسب خمسمائة دولار شهريا سأصل يا محمد .سأصبح نجم مشهور في سماء الولايات المتحدة بقوانينهم هم لا بقوانين نحن المستهلكة ..وعندما أعود لمصر سأعود فاتحا لا منكسر وقتها سأعود لأستثمر أموالي.. سأعود لأنشر الفكر الحضاري الحقيقي وأنظف العقول من  موروثات مملة ! أظنك تفكر بكاترين لا تقلق كاترين مجرد جسر ..أداة لتحقيق الخطوة الأولي .. والسلاك ختام " 
صديقك خالد

كان الألم يعتصر قلبه وهو يقرأ تلك الرسالة .. هل هذا خالد صديقه منذ عشرون عاما ؟ ماذا حدث ؟ أهي أمريكا ؟ أم الحياة المادية ؟ أم الظروف ؟ ..المغفل يعتقد أن كاترين كوبري للوصول لأهدافه ..هه عاش ما عاش وسط هؤلاء القوم ولم يفهمهم بعد !
- بل أنت يا خالد أنت الكوبري !..أنت الأبله الذي سيشبع نزواتها ثم تلقيه لتبحث عن أخر !
وجد نفسه ينطق العبارة الأخيرة بصوت غاضب مرتفع فاستعاذ بالله من الشيطان وبدأ يرتب أفكاره .

الأن أنتهي كل شيء ..سيعود للقاهرة وحده .. خالد لم يذكر حتي حنان في رسالته .أكثر من خمس سنوات خطبة والفتاة تنتظر ولم يكلف نفسه بكلة واحدة في حقها ! كيف سيخبرها هو بالأمر ؟ لا يعرف ؟ يالله .. لطالما أمن ان الحب فكرة .. فكرة جميلة نتمسك بها كأي خاطرة تأتي علي قلب الإنسان .. فكرة تبدأ بإعجاب وتترسخ بعشرة تحقق المودة والرحمة .. فكرة ربما أمنت بها حنان لدرجة ما جعلتها تنتظر كل هذه السنوات ..وكفر بها خالد فباع كل شيء في لحظة ! المهم الأن أن الفكرة فقدت إحدي طرفيها .. والأكثر أهمية أن الطرف الأخر لا يعرف أي شيء ولكن من يدري لعل ذلك خير .. ماذا لو كانت تزوجته وانقلب هكذا ربما هذه أفكاره منذ البداية لا أحد بعد يستطيع أن يقرأ أفكار إنسان ! لاأحد قط!  .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ستقلع الطائرة الأن ..يرجي من السادة الركاب ربط الأحزمة والألتزام بالتعليمات "
أطفأ سيجارته بسرعة وبدأ بربط الأحزمة , لقد ترك رسالة قصيرة لخالد ..لعله يقرأها ولعله لا يفعل .. لم تكن رسالة عتاب بقدر ما كانت رسالة وداع ! ربما لن يقابله مرة أخري قط ..فحتي لو حقق خالد ما يحلم به لن يعود إلي مصر ربما ينجح في الحصول علي الجنسية وربما يصبح رجل أعمال ناجح أي أن كان وقتها سيصبح أمركيا مصريا لا مصريا أمريكا ..وربما لا ينجح مطلقا وتفشل علاقته بكاترين وترميه في الشارع وقتها سيعيش مثل مئات المصريين هناك ..يعمل في أي شيء وكل شيء ! وجد نفسه يبحث عن سيجارة أخري ليشعلها ولكنه لم يفعل اكتفي فقط بوضعها في فمه ..لم يكن ليخالف التعليمات ! . سأل نفسه فيما يلوم خالد ..فإن كان خالد قد تغير فهو أيضا تغير ,نعم هذه هي حقيقته لقد خان خالد .حنان بعلاقته مع كاترين . وهو أيضا قد فعل بتفكيره في ماري ..من يعلم ؟ ربما كلن سيتزوجها إذا بقيت علي قيد الحياة ! نعم لقد فكر في الأمر وأغرته الفكرة ..بالطبع استنكر علي نفسه ولكن لا شك أن خالد أيضا مرة بنفس المرحلة !
إنه لا ينكر إنه أيضا تغير ..شيء ما أنكسر بداخله .. إنه لا ينكر أن المجتمع الأمريكي قد أثر فيه بماديته .. وربما أثر في العالم أجمع أيضا لا يستطيع أن يعرف .. يالله .. هؤلاء القوم يؤمنون بالعلم ..فالعلم هناك يحرك كل شيء هو يؤمن الأن فقط أن المجتمع الأمريكي في طريقه للهلاك ومع أنهياره لن تصمد أمريكا طويلا ..نعم فالقد تحطم العلم كثيرا في تلك البلاد ..تحطم عندما أنفجر برجي التجارة العالمي ولم يستطيعو إنقاذه .. تحطم بأعصار كاترينا وغيره ولم يستطيعو أنقاذ أنفسهم ! والأن يتحطم كل يوم في العراق وأفاغانستان وتضيع معه أحلام السيطرة . سيطرة العلم المادي وسطوته ! إنه يجزم الأن أن نهاية المجتمع الأمريكي ستكون فقط عندما يحطم العلم ! فالعلم وحده يتحطم والشعوب لكي تتقدم يلزمها العلم والإيمان .
قطع حبل أفكاره صوت قائد الطائرة :-
" دخلت الطائرة الأجواء المصرية علي السادة الركاب التزام الهدوء وربط الأحزمة "
عندئذ فقط أحس براحة ..الأن قد عاد إلي مصر لقد خسر الكثير خسر صديقه الوحيد ..خسر أحساسه بأخلاصه الشديد لزوجته , ولم يكسب سوي حفنة من الدولارات لا يعرف حتي ماذا يفعل بها ..ربما قد يستأجر تاكسي يعمل عليه أو كشك صغير يتكيب منه ..لا يعرف كل ما يعرفه الأن إنه سيبدأ من جديد ولكن هذه المرة هنا في مصر .

تمت بحمد الله 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق